صلحا) * (النساء: 821). وهو أن يقبل منها ما تسقطه من حقها من نفقة أو كسوة أو مبيت عندها أو غير ذلك من حقوقها عليه، فلا جناح عليها في بذلها له ذلك، ولا عليه في قبوله منها، ولهذا قال: * (فلا جناج عليهما أن يصالحا بينهما صلحا) * (النساء: 821). ثم قال: * (والصلح خير) * (النساء: 821). أي: من الفراق، ولهذا لما كبرت سودة بنت زمعة وعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراقها صالحته على أن يمسكها وتترك يومها لعائشة، رضي الله تعالى عنها، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وأبقاها على ذلك، فقال أبو داود الطيالسي: حدثنا سليمان ابن معاذ عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! لا تطلقني وأجعل يومي لعائشة، ففعل، فنزلت هذه الآية: * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * (النساء: 821). الآية، قال ابن عباس: فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز، ورواه الترمذي عن محمد بن المثنى عن أبي داود الطيالسي، وقال: حسن غريب وقال سعيد بن منصور: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أنزلت في سودة وأشباهها: * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * (النساء: 821). وذلك أن سودة كانت امرأة قد أسنت، ففرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وضنت بمكانها منه، وعرفت من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ومنزلتها منه، فوهبت يومها من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لعائشة، فقبل النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي في أول (معجمه): حدثنا محمد بن يحيى حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الدستوائي حدثنا القاسم بن أبي بزة قال: بعث النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى سودة بت زمعة بطلاقها، فلما أن أتاها جلست له على طريق عائشة، فلما رأته، قالت له: أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه واصطفاك على خلقه لما راجعتني، فإني قد كبرت ولا حاجة لي في الرجال، أبعث مع نسائك يوم القيامة، فراجعها، قالت: فإني قد جعلت يومي وليلتي لحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن كثير: وهذا غريب مرسل. وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير عن شعبة عن ابن سيرين قال: جاء رجل إلى عمر، رضي الله تعالى عنه، فسأله عن آية، فكره ذلك وضربه بالدرة، فسأله آخر عن هذه الآية: * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * (النساء: 821). فقال: عن مثل هذا فسلوا، ثم قال: هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها فتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن عروة، قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، فسأله عن قول الله عز وجل: * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما) * (النساء: 821). قال علي: يكون الرجل عنده المرأة فسوا عيناه عنها من دمامتها أو كبرها أو سوء خلقها أو قذرها فتكره فراقه، فإن وضعت له من مهرها شيئا حل له، وإن جعلت له من أيامها فلا حرج، وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة وحماد بن سلمة وأبي الأحوص، ورواه ابن جرير من طريق إسرائيل أربعتهم عن سماك به، وكذا فسره ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهد والشعبي وسعيد بن جبير وعطاء وعطية العوفي ومكحول والحكم بن عتيبة والحسن وقتادة وغير واحد من السلف والأئمة، ولا أعلم في ذلك خلافا في أن المراد بهذه الآية هذا، والله أعلم. وذكر أبو عبد الله محمد بن علي بن خضر ابن عسكر في كتابه (ذيل التعريف والإعلام): أنها نزلت بسبب أبي السنابل بن بعكك وامرأته، وفي تفسير مقاتل: نزلت في خويلة بنت محمد بن مسلمة حين أراد زوجها رافع بن خديج طلاقها، وفي كتاب عبد الرزاق: خولة، وفي (غرر التبيان) زوجها سعد بن الربيع، وفي (تفسير الثعلبي): هي عمرة بنت محمد بن مسلمة.
ذكر ما يستفاد منه فيه: جواز هبة بعض الزوجات يومها لبعضهن، وقال المنذري: لا يكون ذلك إلا برضى الزوج والتسوية بينهن كان غير واجب عليه صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يفعله تفضلا منه، وعن الداودي: إذا رضيت بترك القسم والإنفاق عليها ثم سألته العدل فلها ذلك، وقال أصحابنا الحنفية: ولواحدة منهن أن ترجع إن وهبت قسمها للأخرى لأنها أسقطت حقا لم يجب بعد، فلا يسقط كالمعير يرجع في العارية متى شاء.