عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ٢٨٧
2 ((باب قول الله تعالى: * (ألا لعنة الله على الظالمين) * (هود: 81).)) أي: هذا باب في قول الله تعالى حكاية عن الملائكة أو الرسل أنهم يقولون يوم القيامة: * (ألا لعنة الله على الظالمين) * (هود: 81). وهذا آخر آية في سورة هود، وأول الآية هو قوله تعالى: * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) * (هود: 81). الأشهاد: هم الرسل، وقيل: الملائكة، وقيل: النبيون، وقيل: أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون على الناس، ويقولون: * (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) * (هود: 81). أي: زعموا أن له شريكا وولدا: * (ألا لعنة الله على الظالمين) * (هود: 81). أي: المشركين. والأشهاد: جمع شاهد، مثل: ناصر وأنصار وصاحب وأصحاب. ويجوز أن يكون جمع: شهيد، مثل شريف وأشراف، ويوضح ذلك حديث الباب، وهو الحديث الذي رواه صفوان بن محرز عن ابن عمر، وفيه: فينادي على رؤوس الأشهاد: * (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) * (هود: 81).
1442 حدثنا موساى بن إسماعيل قال حدثنا همام قال أخبرني قتادة عن صفوان ابن محرز المازني قال بينما أنا أمشي مع ابن عمر رضي الله تعالى عنهما آخذ بيده إذ عرض رجل فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجواى فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته وأما الكافر والمنافقون فيقول * (الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) * (هود: 81).
مطابقته للترجمة في آخر الحديث، وهمام هو ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري، وصفوان بن محرز، بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء وبالزاي: المازني البصري، مات سنة أربع وتسعين.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن مسدد، وفي الأدب وفي التوحيد عن مسدد أيضا. وأخرجه مسلم في التوبة عن زهير بن حرب وعن أبي موسى وعن بندار. وأخرجه النسائي في التفسير عن أحمد بن أبي عبيد الله وفي الرقائق عن سويد بن نصر. وأخرجه ابن ماجة في السنة عن حميد بن مسعدة.
ذكر معناه: قوله: (بينما)، ويروى: بينا، قوله: (آخذ بيده) أي: بيد ابن عمر، وآخذ على وزن فاعل، مرفوع على أنه بدل من أمشي، وقد ذكر في موضعه أنه يبدل كل من الاسم والفعل والجملة من مثله. وقوله: (أمشي) في محل الرفع لأنه خبر لمبتدأ. وهو قوله: (أنا) وسمي الفعل المضارع مضارعا أي: مشابها لاسم الفاعل في الحركات والسكنات وغير ذلك، فإذا كان كذلك يجوز أن يبدل اسم الفاعل من المضارع، ويجوز نصب: آخذ، على الحال من جهة العربية. قوله: (إذ عرض) جواب: بينما. قوله: (في النجوى) أي: الذي يقع بين الله تعالى وبين عبده المؤمن يوم القيامة، وهو فضل من الله تعالى حيث يذكر المعاصي للعبد سرا.
قوله: (يدني) بضم الياء من الإدناء وهو التقريب الرتبي لا المكاني. قوله: (فيضع عليه كنفه)، بفتح النون والفاء. قال الكرماني: الكنف الجانب والساتر والعون، يقال: كنفت الرجل أي: صنته وحطته وأعنته. انتهى. وقال الطيبي: كنفه حفظه وستره من أهل الموقف وصونه عن الخزي والتفضيح، مستعار من كنف الطائر وهو جناحه يصون به نفسه ويستر به بيضه فيحفظه، وقال الكرماني: وفي بعضها أي: وفي بعض الروايات: كتفه، بالفوقانية. قلت: هذه الرواية وقعت من أبي ذر عن الكشميهني. قال عياض: وهو تصحيف قبيح. قوله: (الأشهاد) جمع شاهد، وقد مر الكلام فيه عن قريب. قوله: (على الظالمين) المراد بالظلم هنا الكفر والنفاق وليس كل ظلم يدخل في معنى الآية، ويستحق اللعنة، لأنه لا يكون عقوبة الكفر عند الله كعقوبة صغائر الذنوب، واللعن الإبعاد والطرد، وهذا الحديث يبين أن قوله تعالى: * (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) * (التكاثر: 8). إن السؤال عن
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»