قد جعل مكان أداء الإنسان أداء الله عنه، ومكان إتلافه إتلاف الله له. وفيه: الحض على ترك إستئكال أموال الناس، والترغيب في حسن التأدية إليهم عند المداينة، لأن الأعمال بالنيات. وفيه: الترغيب في تحسين النية، لأن الأعمال بالنيات. وفيه: أن من اشترى شيئا بدين وتصرف فيه وأظهر أنه قادر على الوفاء، ثم تبين الأمر بخلافه، أن البيع لا يرد بل ينتظر به حلول الأجل لاقتصاره صلى الله عليه وسلم على الدعاء، ولم يلزمه برد البيع. قيل: وفيه الترغيب في الدين لمن ينوي الوفاء، وروى ابن ماجة والحاكم من رواية محمد بن علي عن عبد الله بن جعفر أنه كان يستدين، فسئل، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه، وإسناده حسن. وقال الداودي: وفيه: أن من عليه دين لا يعتق ولا يتصدق، وإن فعل رد. قلت: الحديث لا يدل عليه بوجه من وجوه الدلالات.
3 ((باب أداء الديون)) أي: هذا باب في بيان وجوب أداء الديون. قوله: (الديون)، بلفظ الجمع هو في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: باب أداء الدين، بالإفراد.
وقال الله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلاى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) * (النساء: 85).
ساق الأصيلي وغيره الآية كلها، وأبو ذر اقتصر على قوله: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (النساء: 85). واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة، وأكثرهم على أنها نزلت في شأن عثمان بن طلحة الحجبي العبدري، سادن الكعبة حين أخذ علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، مفتاح الكعبة يوم الفتح، ذكره ابن سعد وغيره، وقال محمد بن كعب وزيد ابن أسلم وشهر بن حوشب: إنها نزلت في الإمراء، يعني الحكام بين الناس. وفي الحديث: إن الله تعالى مع الحاكم ما لم يجر، فإذا جاء وكله الله إلى نفسه. وقيل: نزلت في السلطان يعظ النساء. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (النساء 85). قال: يدخل فيه وعظ السلطان النساء يوم العيد، وقال شريح، رحمه الله لأحد الخصمين: أعط حقه، فإن الله تعالى قال: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (النساء: 85). قال شريح: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (البقرة: 082). إنما هذا في الربا خاصة، وربط المديان إلى سارية. ومذهب الفقهاء: إن الآية عامة في الربا وغيره، وقال ابن عباس: الآية عامة، قالوا هذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله، عز وجل، على عباده من الصلوات والزكوات والكفارات والنذور والصيام وغير ذلك، فهو مؤتمن عليه، ولا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض: كالودائع وغيرها، مما يأتمنون فيه بعضهم على بعض، فأمر الله تعالى بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة، كما ثبت في الحديث الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتض للشاة الجماء من القرناء، ثم إن البخاري أدخل الدين في الأمانة لثبوت الأمر بأدائه، لأن الأمانة فسرت في الآية بالأوامر والنواهي، فيدخل فيها جميع ما يتعلق بالذمة وما لا يتعلق. قوله: * (أن تحكموا بالعدل) * (النساء: 85). أي: بأن تحكموا بالعدل. قوله: * (إن الله نعما يعظكم به) * (النساء: 85). قال الزمخشري: نعما يعظكم به، إما أن تكون منصوبة موصوفة: بيعظكم به، وإما أن تكون مرفوعة موصولة، كأنه قيل: نعم شيئا يعظكم به، أو: نعم الشيء الذي يعظكم به، والمخصوص بالمدح محذوف أي: نعم ما يعظكم به ذاك، وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكم، وقرئ: نعما، بفتح النون. قوله: * (إن الله كان سميعا بصيرا) * (النساء: 85). هما من أوصاف الذات، والسمع إدراك المسموعات حال وحدوثها، وقيل: إنهما في حقه تعالى صفتان تكشف بهما المسموعات والمبصرات انكشافا تاما، ولا يحتاج فيهما إلى آلة لأن صفاته مخالفة لصفات المخلوقين بالذات. فافهم.