مراد البخاري أن الأيمن إذا استحق ما في القدح بمجرد جلوسه واختص به، فكيف لا يختص صاحب اليد والمتسبب في تحصيله؟ قلت: فيه نظر، لأن الفرق ظاهر بين الاستحقاقين، فاستحقاق الأيمن غير لازم حتى إذا منع ليس له الطلب الشرعي، بخلاف استحقاق صاحب اليد، وهذا ظاهر، وقال الكرماني: وجه تعلقه أي: تعلق الحديث بالترجمة قياس ما في القربة والحوض على ما في القدح، وتصرف بعضهم فيه بقوله: ومناسبته للترجمة ظاهرة، إلحاقا للحوض والقربة بالقدح، فكأن صاحب القدح أحق بالتصرف فيه شربا وسقيا. انتهى. قلت: أما قياس الكرماني فقياس بالفارق، وقد ذكرناه، وأما قول بعضهم: إلحاقا للحوض والقربة بالقدح، فإن كان مراده بالقياس عليه فغير صحيح لما ذكرنا، وإن كان مراده من الإلحاق أن صاحب القدح مثل صاحب القربة في الحكم فليس كذلك على ما لا يخفى. وقوله: فكان صاحب القدح أحق بالتصرف فيه شربا وسقيا، لا يخلو أن يقرأ قوله: فكان، بكاف التشبيه دخلت على: أن، بفتح الهمزة، أو: كان، بلفظ الماضي من الأفعال الناقصة، وأيا ما كان ففساده ظاهر يعرف بالتأمل، فإذا كان الأمر كذلك فلا مطابقة هنا بين الحديث والترجمة إلا بالجر الثقيل، بأن يقال: صاحب الحوض مثل صاحب القدح في مجرد الاستحقاق مع قطع النظر عن اللزوم وعدمه، والحديث مضى قبل هذه بثمانية أبواب في: باب في الشرب، فإنه أخرجه هناك: عن سعيد بن أبي مريم عن أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد، وهنا أخرجه: عن قتيبة بن سعيد عن عبد العزيز عن أبيه أبي حازم سلمة بن دينار عن سهل، وقد مر الكلام فيه هناك.
15 - (حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي قال والذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض) مطابقته للترجمة في قوله عن حوضي فإنه يدل على أنه أحق بحوضه وبما فيه والترجمة أن صاحب الحوض أحق به وغندر بضم الغين وسكون النون مر غير مرة وهو لقبه واسمه محمد بن جعفر البصري ربيب شعبة ومحمد بن زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف القرشي الجمحي أبو الحارث المدني مر في باب غسل الأعقاب ولا يشتبه عليك بمحمد بن زياد الألهاني وإن كان كل منهما تابعيا. والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة به وفي التلويح لما أعاد البخاري هذا الحديث في الحوض ذكره معلقا من طريق عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة وهذا الحديث مما كاد أن يبلغ مبلغ القطع والتواتر على رأي جماعة من العلماء يجب الإيمان به فيما حكاه غير واحد ورواه عن النبي جماعة كثيرة من الصحابة منهم في الصحيح ابن عمر وابن مسعود وجابر بن سمرة وجندب بن عبد الله وزيد بن أرقم وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك وحذيفة وعند أبي القاسم اللالكائي ثوبان وأبو بردة وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وبريدة وعن القاضي أبي الفضل وعقبة بن عامر وحارثة بن وهب والمستورد وأبو برزة وأبو أمامة وعبد الله بن زيد وسهل بن سعد وسويد بن جبلة وأبو بكر الصديق والفاروق والبراء وعائشة وأختها أسماء وأبو بكرة وخولة بن قيس وأبو ذر والصنابحي في آخرين (ذكر معناه) قوله ' لأذودن ' أي لأطردن من ذاد يذود ذيادا أي دفعه وطرده ويروى فليذادن رجال أي يطردون وفي المطالع كذا رواه أكثر الرواة عن مالك في الموطأ ورواه يحيى ومطرف وابن نافع فلا يذادن ورواه ابن وضاح على الرواية الأولى وكلاهما صحيح المعنى والنافية أفصح وأعرف ومعناه فلا تفعلوا فعلا يوجب ذلك كما قال لا ألفين أحدكم على رقبته بعير أي لا تفعلوا ما يوجب ذلك قوله ' كما تذاد الغريبة من الإبل ' أي كما تطرد الناقة الغريبة من الإبل عن الحوض إذا أرادت الشرب مع إبله وعادة الراعي إذا ساق الإبل إلى الحوض لتشرب أن يطرد الناقة الغريبة إذا رآها بينهم واختلف في هؤلاء الرجال فقيل هم المنافقون حكاه ابن التين وقال ابن الجوزي هم المبتدعون وقال القرطبي هم الذين لا سيما لهم من غير هذه الأمة وذكر قبيصة في صحيح البخاري أنهم هم المرتدون الذين بدلوا وقال ابن