من النهي عن الفعل إنما هو طلب إعدامه أو استبقاء عدمه، فكان النهي الوارد من الواجب صدقه يفيد ما يراد من النهي. قوله: (ولا يخطب على خطبة أخيه)، الخطبة بالكسر: اسم من خطب يخطب من باب نصر ينصر، فهو خاطب، وأما الخطبة بالضم فهو من القول، والكلام وصورته أن يخطب الرجل المرأة فتركن هي إليه ويتفقا على صداق معلوم ويتراضيا، ولم يبق إلا العقد فيجيء آخر ويخطب ويزيد في الصداق، ويأتي الكلام فيه عن قريب. قوله: (ولا تسأل)، بالرفع خبر بمعنى النهي، وبالكسر نهي حقيقي، ومعناه: نهي المرأة الأجنبية أن تسأل الزوج طلاق زوجته لينكحها ويصير لها من نفقته ومعاشرته ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك بإكفاء ما في الإناء إذا كبته وكفأته، وأكفأته، إذا أملته. وقال التيمي: هذا مثل لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها. قوله: (لتكفأ) بفتح الفاء، كذا في رواية أبي الحسن، وقال ابن التين: وهو ما سمعناه، ووقع في بعض رواياته كسر الفاء، وقال ابن قرقول: ويروى، (لتكفىء وتستكفيء ما في صحفتها)، أي: تقلبه لتفرغه من خير زوجها لطلاقه إياها، وقد تسهل الهمزة، وذكر الهروي الحديث لتكتفي: تفتعل من كفأت، الإناء إذا كببته ليفرغ ما فيها، وقيل: صورته أن يخطب الرجل المرأة وله امرأة، فتشترط عليه طلاق الأولى لتنفرد به. قال النووي: المراد بأختها غيرهما، سواء كانت أختها في النسب أو الإسلام أو كافرة.
ذكر ما يستفاد منه وهو على وجوه:
الأول: بيع الحاضر للبادي إنما نهى عنه لأن فيه التضييق على الناس، وأهل الحاضرة أفضل لإقامتهم الجماعات وعلمهم وغير ذلك. واختلف في أهل القرى: هل هم مرادون بهذا الحديث؟ فقال مالك: إن كانوا يعرفون الأثمان فلا بأس به، وإن كانوا يشبهون أهل البادية فلا يباع ولا يشار عليهم، وقال شيخنا: لا يلزم من النهي عن البيع تحريم الإشارة عليه إذا استشاره، وهو قول الأوزاعي، قال: وقد أمر بنصحه في بعض طرق هذا الحديث: وهو قوله: (إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له)، وحكى الرافعي عن أبي الطيب وأبي إسحاق المروزي: أنه يجب عليه إرشاده إليه بذلا للنصيحة. وعن أبي حفص بن الوكيل: أنه لا يرشده توسعا على الناس، ونقل مثله عن مالك، بل حكى ابن العربي عنه أنه: لو سأله عن السعر لا يخبره به لحق أهل الحضر، ثم ظاهر الحديث تحريم بيع الحاضر للبادي، سواء كان الحضري هو الذي التمس ذلك من البدوي أو كان البدوي هو الذي سأله الحضري في ذلك، وجزم الرافعي: بأنه إنما يحرم إذا ابتدأ الحضري لسؤال ذلك، وفيه نظر لخروجه عن ظاهر الحديث، وخصص بعض أصحاب الشافعي تحريم بيع الحاضر للبادي بما إذا تربص الحاضر بسلعة البادي ليغالي في ثمنها، فأما إذا باعها الحضري للبادي بسعر يومه فلا بأس به. قلت: في التقييد بذلك مخالفة لظاهر الحديث ولفهم راوي الحديث وهو ابن عباس إذا سئل عن ذلك، فقال: لا يكون له سمسارا، فلم يفرق بين أن يبيع له في ذلك اليوم بسعر يومه أو يتربص به ليزداد ثمنه، وظاهر الحديث أيضا تحريم بيع الحاضر للبادي سواء كان البادي يريد بيعه في يومه أو يريد الإقامة والتربص بسلعته، وحمل الرافعي النهي على الصورة الأولى فقال: فيما إذا قصد البدوي الإقامة في البلد ليبيعه على التدريج، فسأله تفويضه إليه فلا بأس به، لأنه لم يضر بالناس ولا سبيل إلى منع المالك عنه، لما فيه من الإضرار له. وفي الحديث حجة لمن ذهب إلى تحريم بيع الحاضر للبادي، وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، وهو قول مالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق. وحكى مجاهد جوازه، وهو قول أبي حنيفة وآخرين، وقالوا: إن النهي منسوخ، ثم اختلفوا: هل يقتضي النهي الفساد أم لا؟ فذهب مالك وأحمد إلى أنه لا يصح بيع الحاضر للبادي، وذهب الشافعي والجمهور إلى أنه يصح وإن حرم تعاطيه. وفيه: حجة لمن ذهب إلى تعميم التحريم في بيع الحاضر للبادي، سواء كان البلد كبيرا بحيث لا يظهر لنا خير الحضري متاع البدوي فيه تأثير أو صغير، أو سواء كان متاع البادي كثيرا أو قليلا لا يوسع على أهل البلد لو باعه البادي بنفسه، وسواء كان ذلك المتاع يعم وجوده أم يعز، وسواء رخص سعر ذلك المتاع أم غلى، وحمل البغوي في (التهذيب) النهي فيه على ما تعم الحاجة إليه، سواء فيه المطعومات وغيرها كالصوف وغيره، أما ما لا تعم الحاجة إليه كالأشياء النادرة فلا يدخل تحت النهي، وفيه نظر لا يخفى، وفي (التوضيح) فإن فعل وباع هل يؤدب؟ قال ابن القاسم: نعم إعتاده، وقال ابن وهب: يزجر عالما أو جاهلا ولا يؤدب.
الثاني من الوجوه في النجش: ولا خيار فيه إذا وقع خلافا لمالك