قاله الكرماني. قلت: وجه النصب على أنه مفعول ترون مقدما، ووجه الرفع، وفي رواية مالك: (آلبر تقولون بهن؟) أي: تظنون، والقول يطلق على الظن، ووقع في رواية الأوزاعي: (آلبر أردن بهذا؟) وفي رواية ابن فضيل: (ما حملهن على هذا؟ آلبر؟ انزعوها فلا أراها، فنزعت). وكلمة: ما، استفهامية. وقوله: (آلبر؟) بهمزة الاستفهام مرفوع على الابتداء وخبره محذوف تقديره: آلبر يردنه؟ قوله: (فلا أراها) الفاء يجوز أن تكون زائدة أي: لا أرى الأخبية المذكورة. وقال ابن التين: الصواب حذف الألف من: أراها، لأنه مجزوم. قلت: ليس كذلك، لأنه نفي وليس بنهي. قوله: (فترك الاعتكاف)، وفي رواية أبي معاوية: (فأمر بخبائه فقوض)، بضم القاف وتشديد الواو المكسورة وفي آخره ضاد معجمة، أي: نقض. وقال القاضي عياض: إنما قال صلى الله عليه وسلم هذا الكلام إنكارا لفعلهن، لأنه خاف أن يكن مخلصات في الاعتكاف، بل أردن القرب منه المباهاة به، ولأن المسجد يجمع الناس ويحضره الأعراب والمنافقون، وهن محتاجات إلى الدخول والخروج فيبتذلن بذلك، ولأنه صلى الله عليه وسلم إذا رآهن عنده في المسجد فصار كأنه في منزله بحضوره مع أزواجه، وذهب المقصود من الاعتكاف، وهو التخلي عن الأزواج ومتعلقات الدنيا، أو لأنهن ضيقن المسجد بأخبيتهن ونحوها. قوله: (فترك الاعتكاف..) إلى آخره، وفي رواية ابن فضيل: (فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال). وفي رواية أبي معاوية: (حتى اعتكف في العشر الأول من شوال)، والتوفيق بين الروايتين هو أن المراد بقوله: (آخر العشر من شوال) انتهاء اعتكافه، وقال الإسماعيلي: فيه دليل على جواز الاعتكاف بغير صوم، لأن أول شوال هو يوم الفطر، وصومه حرام. قلت: ليس فيه دليل لما قاله، لأن المراد من قوله: (اعتكف في العشر الأول)، أي: كان ابتداؤه في العشر الأول، فإذا اعتكف من اليوم الثاني من شوال يصدق عليه أنه ابتدأ في العشر الأول، واليوم الأول منه يوم أكل وشرب، ويقال، كما ورد في الحديث: والاعتكاف هو التخلي للعبادة فلا يكون اليوم الأول محلا له بالحديث.
ذكر ما يستفاد منه فيه: في قوله: (فيصلي الصبح ثم يدخله) احتجاج من يقول يبدأ بالاعتكاف من أول النهار، وبه قال الأوزاعي والليث في أحد قوليه، واختاره ابن المنذر، وذهبت الأربعة والنخعي إلى جواز دخوله قبيل الغروب إذا أراد اعتكاف عشر أو شهر، وأولوا الحديث على أنه دخل المعتكف وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح، لأن ذلك في وقت ابتداء الاعتكاف أول الليل، ولم يدخل الخباء إلا بعد ذلك، وقال أبو ثور: إن أراد الاعتكاف عشر ليالي دخل قبل الغروب. وهل يبيت ليلة الفطر في معتكفه ولا يخرج منه إلا إذا خرج لصلاة العيد فيصلي؟ وحينئذ يخرج إلى منزله، أو يجوز له أن يخرج عند الغروب من آخر يوم من شهر رمضان؟ قولان للعلماء: الأول: قول مالك وأحمد وغيرهما، وسبقهم أبو قلابة وأبو مجلز. واختلف أصحاب مالك إذا لم يفصل هل يبطل اعتكافه أم لا يبطل؟ قولان، وذهب الشافعي والليث والزهري والأوزاعي في آخرين: إلى أنه يجوز خروجه ليلة الفطر، ولا يلزمه شيء. وفيه: أن المسجد شرط للاعتكاف، لأن النساء شرع لهن الاحتجاب في البيوت، فلو لم يكن المسجد شرطا ما وقع ما ذكر من الإذن والمنع، وقال إبراهيم بن عبلة في قوله: (آلبر يردن؟) دلالة على أنه ليس لهن الاعتكاف في المسجد، إذ مفهومه ليس ببر لهن. وقال بعضهم: وليس ما قاله بواضح قلت: بلى، هو واضح لأنه إذا لم يكن برا لهن يكون فعله غير بر، أي: غير طاعة، وارتكاب غير الطاعة حرام، ويلزم من ذلك عدم الجواز. وفيه: جواز ضرب الأخبية في المسجد. وفيه: شؤم الغيرة لأنها ناشئة عن الحسد المفضي إلى ترك الأفضل لأجله. وفيه: ترك الأفضل إذا كان فيه مصلحة، وأن من خشي على عمله الرياء جاز له تركه وقطعه.
وقال بعضهم: وفيه: أن الاعتكاف لا يجب بالنية، وأما قضاؤه صلى الله عليه وسلم له فعلى طريق الاستحباب، لأنه كان إذا عمل عملا أثبته، ولهذا لم ينقل أن نساءه اعتكفن معه في شوال. انتهى. قلت: قوله: (إن الاعتكاف لا يجب بالنية، ليس بمقتصر على الاعتكاف، بل كل عمل ينوي الشخص أن يعمله لا يلزمه بمجرد النية: بل إنما يلزمه بالشروع).
وقال الترمذي: اختلف