وحللت حقيبتي ونزلت في فناء ربع هذا الكتاب لا ظهر ما فيه من الأمور الصعاب وأبين ما فيه من المعضلات وأوضح ما فيه من المشكلات وأورد فيه من سائر الفنون بالبيان ما صعب منه على الأقران بحيث أن الناظر فيه بالأنصاف المتجنب عن جانب الاعتساف أن أراد ما يتعلق بالمنقول ظفر بآماله وأن أراد ما يتعلق بالمعقول فاز بكماله وما طلب من الكمالات يلقاه وما ظفر من النوادر والنكات يرضاه على أنهم قد ظنوا في قوة لإبلاغهم المرام وقدره على تحصيل الفهم والأفهام ولعمري ظنهم في معرض التعديل لأن المؤمن لا يظن في أخيه إلا بالجميل مع أني بالتقصير لمعترف ومن بحر الخطايا لمغترف ولكني أتشبه بهم متمنيا أن تكون لي حلية في ميادينهم وشجرة مثمرة في بساتينهم * على أني لا أرى لنفسي منزلة تعد من منازلهم ولا لذاتي منهل مورد يكون بين مناهلهم ولكني أرجو والرجاء من عادة الحازمين الضابطين واليأس من عادة الغافلين القانطين ثم أني قدحت أفكاري بزناد الذكاء حتى أورت أنوارا انكشفت بها مستورات هذا الكتاب وتصديت لتجليته على منصة التحقيق حتى كشف عن وجهه النقاب واجتهدت بالسهر الطويل في الليالي الطويلة حتى ميزت من الكلام ما هي الصحيحة من العليلة وخضت في بحار التدقيق سائلا من الله الإجابة والتوفيق حتى ظفرت بدرر استخرجتها من الأصداف وبجواهر أخرجتها من الغلاف حتى أضاء بها ما أبهم من معانيه على أكثر الطلاب وتحلى بها ما كان عاطلا من شروح هذا الكتاب فجاء بحمد الله وتوفيقه فوق ما في الخواطر فائقا على سائر الشروح بكثرة الفوائد والنوادر مترجما بكتاب (عمدة القاري في شرح البخاري) ومأمولي من الناظر فيه أن ينظر بالإنصاف ويترك جانب الطعن والاعتساف فإن رأى حسنا يشكر سعى زائره ويعترف بفضل عاثره أو خللا يصلحه أداء حق الأخوة في الدين فإن الإنسان غير معصوم عن زلل مبين * فإن تجد عيبا فسد الخللا * فجل من لا عيب فيه وعلا * فالمنصف لا يشتغل بالبحث عن عيب مفضح والمتعسف لا يعترف بالحق الموضح * فعين الرضا عن كل عيب كليلة * ولكن عين السخط تبدي المساويا * فالله عز وجل يرضى عن المنصف في سواء السبيل ويوفق المتعسف حتى يرجع عن الأباطيل ويمتع بهذا الكتاب المسلمين من العالمين العاملين فإني جعلته ذخيرة ليوم الدين وأخلصت فيه باليقين والله لا يضيع أجر المحسنين وهو على كل شيء قدير وبالإجابة لدعانا جدير وبه الإعانة في التحقيق وبيده أزمة التوفيق أما إسنادي في هذا الكتاب إلى الإمام البخاري رحمه الله فمن طريقين عن محدثين كبيرين (الأول) الشيخ الإمام العلامة مفتي الأنام * شيخ الإسلام حافظ مصر والشام * زين الدين عبد الرحيم بن أبي المحاسن حسين بن عبد الرحمن العراقي الشافعي أسكنه الله تعالى بحابيح جنانه * وكساءه جلابيب عفوه وغفرانه * توفي ليلة الأربعاء الثامنة من شعبان من سنة ست وثمانمائة بالقاهرة فسمعته عليه من أوله إلى آخره في مجالس متعددة آخرها آخر شهر رمضان المعظم قدره من سنة ثمان وثمانين وسبعمائة بجامع القلعة بظاهر القاهرة المعزية حماها الله عن الآفات بقراءة الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن منصور الأشموني الحنفي رحمه الله بحق سماعه لجميع الكتاب من الشيخين أبي علي عبد الرحيم بن عبد الله بن يوسف الأنصاري وقاضي القضاة علاء الدين علي بن عثمان بن مصطفى بن التركماني مجتمعين * قال الأول أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي وأبو عمر وعثمان بن عبد الرحمن بن رشيق الربعي وأبو الطاهر إسماعيل بن عبد القوي بن أبي العز بن عزوان سماعا عليهم خلا من باب المسافر إذا جد به السير تعجل إلى أهله في أواخر كتاب الحج إلى أول كتاب الصيام وخلا من باب ما يجوز من الشروط في المكاتب إلى باب الشروط في الجهاد وخلا من باب غزو المرأة في البحر إلى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأجازه منهم قالوا أخبرنا هبة الله بن علي بن مسعود البوصيري وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن حامد الأرتاحي قال البوصيري أنا أبو عبد الله محمد بن بركات السعيدي وقال الأرتاحي أخبرنا علي بن عمر الفراء إجازة قالا أخبرتنا كريمة بنت أحمد المروزية قالت أخبرنا أبو الهيثم محمد بن مكي الكشميهني * وقال الثاني أخبرنا جماعة منهم أبو الحسن علي بن محمد بن هارون القاري قال أنا عبد الله الحسين بن المبارك الزبيدي قال أخبرنا أبو الوقت
(٤)