أقرب إلينا من حبل الوريد وهو يخاطبنا بكلامه الكريم وقلوبنا مشغولة عنه بما لا يجدي من أمور الدنيا ولا نستحي منه بخطابنا ونعرض عنه وهو مطلع على قلوبنا أو لا نخاف أن يعرض عنا ويمنعنا التوفيق ويبعدنا عنه ونصير من المطرودين الذين خسروا الدنيا والآخرة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ومن هنا كان الأئمة إذا وقف أحدهم للصلاة تغير لونه واصفر وجهه وارتعدت فرائصه وتغيرت أحواله فإذا سئل عن سبب ذلك قال ألا تدرون بين يدي من أقف وهكذا مقامات الأولياء كل من علمه بالله وقربه منه اشتد خوفه وكثرت مراقبته كما نجده من خدام الملوك فإنهم إذا كانوا بحضرته يظهرون أنواع الأدب والمراقبة ولا كذلك إذا بعدوا عنه لؤلؤة من لؤلؤ الأخيار لا من لؤلؤ البحار الباري عز وجل لم يخلقنا عبثا ولا أرسلنا كالبهائم هملا فيكون لاعبا قال الله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وليست العبادة لنفعه لأنه غنى مطلق بل إنما كلفنا لقصد نفعنا ليجعلنا مستحقين للثواب كرما منه وفضلا فينبغي للعاقل الرشيد أن يدخل في العبادة بقلبه بتمام الإقبال والرغبة والسرور خصوصا الطهارة التي هي إشارة إلى طهارة القلب ووسيلة إلى الصلاة التي هي أفضل الأعمال وعمود الدين ومناجاة الرب وأول ما يسأل عنه الإنسان فإن قبلت قبل سائر عمله وإن ردت رد والله الموفق
(٣٩)