الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٩٥
لهيبتهن إياه على الأسفار أو الاكثار أمامه، فإن للحلائل مع زوجاتهن شؤونا خاصة فتسترهن عن عمر فلكونه أجنبيا عنهن لا هيبة له.
وعلى الثاني وهو الذي يعطيه سياق الحديث كقوله: وعنده نساء من قريش. و قوله صلى الله عليه وآله: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي. الخ. وقول عمر: فأنت يا رسول الله كنت. الخ. وقوله: يا عدوات أنفسهن. الخ. فكل هذه لا يلتئم مع كونهن نساؤه لتنكير النساء في الأول، وظهور قوله: كن عندي في أن حضورهن لديه من ولائد الاتفاق لا أنهن نساؤه الكائنات معه أطراف الليل وآناء النهار، وقلنا أيضا: إنه لا وجه للهيبة مع كونهن أزواجه، ولا هن على ذلك عدوات أنفسهن، فإن إبداء الزينة والجمال للزوجة عبادة لا معصية، فجلوسهن وهن أجنبيات عند رسول الله صلى الله عليه وآله سافرات على هذا الوجه إما لأنه صلى الله عليه وآله لم يحرم السفور، وإما لأنه حرمه ونسيه، أو أنه صلى الله عليه وآله تسامح في النهي عنه، أو أنه هابهن وإن لم يهبن، وكان مع ذلك يروقه أن ينتهين عما هن عليه، ولذلك استبشر لما بادرن الحجاب وأثنى على عمر، ولازم هذا أن يكون عمر أفقه من رسول الله صلى الله عليه وآله، أو أثبت منه على المبدأ، أو أخشن منه في ذات الله، أو أقوى منه نفسا. أعوذ بالله من التقول بلا تعقل.
وأما ما عزي إليه صلى الله عليه وآله ثانيا من قوله: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا غير فجك، فما بالشيطان يهاب الخليفة فيسلك فجا غير فجه ولا تروعه عظمة النبي صلى الله عليه وآله ولا قوة إيمانه؟ فيسلك في فجه فلا يدعه أن ينهى عن المنكر، و يحدو بصواحب المنكر إلى أن يتظاهرون به أمامه. بل الشيطان لعنه الله يعرض له صلى الله عليه وآله ليقطع عليه صلاته وإن رجع عنه خائبا كما أخرجه البخاري في صحيحه ج 1 ص 143 في كتاب الصلاة باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة. ومسلم في صحيحه ج 1 ص 204 باب جواز لعن الشيطان في الصلاة، أخرجا بالإسناد عن أبي هريرة قال:
صلى رسول الله صلاة فقال: إن الشيطان عرض لي فشد علي بقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعته (1) الحديث.
هب إن اللعين في هذه المرة لم يصب من رسول الله صلى الله عليه وآله لكنه تجرأ على مقامه

(1) فذعته: فخنقته والذعت والدعت بالمهملة والمعجمة: الدفع العنيف.
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»