من العدل والفضل: أن يعين لنا على رئيس نحتج به لله جل جلاله ولنبوته يوم حساب الله جل جلاله وما يليه، لأن لا تقول أمته يوم القيامة: لو عينت لنا على أحد كامل كنا قد سلمنا من التفريق والندامة، وأطعناك في القبول ونجونا مما جرى من اختلاف القاتل والمقتول، ومن كثرة المذاهب في المنقول.
فاقتضت حكمته ورياسته وكماله أنه عين على من يقوم مقامه ويكرر وصيته ومقاله، لتكون الحجة لله جل جلاله وله علينا يوم حضورنا بين يديه، لأن حصر مخالفتنا له في قبول نصه على من عين عليه أليف بحكمه من أرسله وبكماله من أن يكون الحجة لنا عليه، وأن نقول له: لو عينت لنا على إمام ما خالفناك ولا وقعنا أو بعضنا فيما حصلنا فيه بعدك من الهلاك ولا فيما عجزنا فيه من الاستدراك.
وأشهد أن النواب عنه يجب أن يكونوا على صفات الكمال والتمام، قد استمرت ولايتهم عنه وقبولهم بلسان الحال وبيان المقال منه، منذ شرف بالإنشاء والابتداء وإلى غايات الانتهاء.
وقد سلموا من العزل في مدة هذه الأزمان، لسلامتهم من العصيان ومن النقصان بالامتحان ومن الحدود العقلية والشرعية المتقضية للهوان، وما ترددوا مع الله جلاله بين الصفا والجفا، وإلا كانوا تارة من الأولياء وتارة من الأعداء.
وقد أقرت لهم العقول عند ابتدائها بالرياسة عليها، وأقرت لهم الأرواح عند إنشائها أنها [من] (28) رعاياهم بالوحي إليها، وأقرت جواهر الأجسام بالحكم النافذ على مؤلفاتها، وشهدت الملائكة الحفظة بدوام الموافقة والمرافقة لمن جعلهم عنه نوابا، وزكاهم اللوح المحفوظ أنهم ما خالفوا سنة ولا كتابا، وشهد لهم لسان الأرض أنهم سكنوها بالطاعة، والسماء أنهم استظلوا بها بكمال العبودية وإخلاص الضراعة، وشهد لهم كلما تقلبوا فيه بالصيانة عن الإضاعة، لأن لا يختلف الشهود لهم وعليهم، ويكونوا تارة حكاما وتارة محكوما عليهم. ولئلا تتناقض صفات الكمال بصفات النقص في الأقوال والأفعال فيكون لهم شغل شاغل بالخجل والوجل والخوف من المؤاخذة على الخلل والزلل، عن الرياسة على أهل العلم والعمل.