ثم أنزل الله عليه أن: " أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " (1) فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته يحج من عامه هذا، فعلم به حاضروا المدينة وأهل العوالي والأعراب، فاجتمعوا لحج رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته وإنما كانوا تابعين ينتظرون ما يؤمرون به، فيتبعونه أو يصنع شيئا فيصنعونه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى إلى ذي الحليفة وزالت الشمس، اغتسل وخرج حتى أتى مسجد الشجرة، فصلى عنده الظهر، وعزم على الحج مفردا، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول، فصف له الناس سماطين، فلبى بالحج مفردا، ومضى وساق له ستا وستين بدنة، أو أربعا وستين بدنة، حتى انتهى إلى مكة في السلاح، لأربع من ذي الحجة، فطاف بالبيت سبعة أشواط، ثم صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، ثم عاد إلى الحجر الأسود، فاستلمه وقد كان استلمه في أول طوافه، ثم قال: " إن الصفا والمروة من شعائر الله " (2) فابدء بما بدء الله به، وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شئ وضعه المشركون، فأنزل الله تعالى " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ثم أتى الصفا فصنع عليه مثل ما ذكرت لك، حتى فرغ من سبعة أشواط، ثم أتاه جبرئيل وهو على المروة، فأمره أن يأمر الناس أن يحلوا إلا سائق الهدي فقال رجل أنحل ولم نفرغ من مناسكنا؟ وهو عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته نعم لو استقبلت من أمري ما استدبرت، فعلت كما فعلتم، ولكن سقت الهدي، فلا يحل سايق الهدي حتى يبلغ الهدي، محله، فقال له سراقة بن مالك بن جعشم يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟
فقال لا بل لأبد الأبد (3) وشبك بين أصابعه دخلت العمرة في الحج، ثلاث مرات (4).