مائة مرة وفي وسط المدينة جامع عظيم نظيف جميل النقش حصين وفي ساحته قبة كبيرة تحتها حوض من الرخام في وسطه فواره من النحاس الأصفر وفي السوق مشرعة ذات خمسة صنابير يخرج منها ماء كثير يأخذ منه الناس حاجتهم ويفيض باقيه على الأرض ويصرف في البحر ويقال إن بها عشرين ألف رجل ويتبعها كثير من السواد والقرى ويصنعون بها الورق الجميل مثل الورق السمرقندي بل أحسن منه وهي تابعة لسلطان مصر قيل وسبب ذلك أنه في زمن ما أغار عليها جيش الروم الكفار فحاربه جند سلطان مصر وقهروه فرفع السلطان الخراج عنها وأقام بها جيشا من قبله على رأسه قائد لحمايتها من العدو وتحصل المكوس بهذه المدينة فتدفع السفن الآتية من بلاد الروم والفرنج والأندلس والمغرب العشر للسلطان فيدفع منه أرزاق الجند وللسلطان بها سفن تسافر إلى بلاد الروم وصقلية والمغرب للتجارة وسكان طرابلس كلهم شيعة وقد شيد الشيعة مساجد جميلة في كل البلاد وهناك بيوت على مثال الأربطة ولكن لا يسكنها أحد وتسمى مشاهد ولا يوجد خارج طرابلس بيوت أبدا عدا مشهدين أو ثلاثة من التي مر ذكرها وغادرت طرابلس وسرت على شاطىء البحر ناحية الجنوب فرأيت على مسافة فرسخ واحد قلعة تسمى قلمون في داخلها عين ماء وسرت من هناك إلى طرابزون ومن طرابلس إليها خمسة فراسخ ومنها بلغنا مدينة جبيل وهي مثلثة تطل زاوية منها على البحر ويحيطها سور حصين شاهق الارتفاع وحولها النخيل غيره من أشجار المناطق الحارة وقد رأيت في يد غلام بها وردة حمراء وأخرى بيضاء ناضرة وكان ذلك في اليوم الخامس من استدارمذ الشهر القديم (فبراير) سنة 315 من تاريخ العجم ومن هناك بلغنا بيروت فرأيت بها طاقا حجريا شق الطريق في وسطه وقد قدرت ارتفاعه بخمسين ذراعا وجانباه من الحجر الأبيض
(٤٨)