الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٥٩٢
أظهر من براهين موسى لولاها لم نتبعه ونحن لا ننكر الانتقال من حكم أوجبه القرآن أو السنة إذا جاء نص آخر ينقلنا عنه وإنما أنكرنا الانتقال عنه بغير نص أوجب النقل عنه، لكن لتبدل حال من أحواله، أو لتبدل زمانه أو مكانه، فهذا هو الباطل الذي أنكرناه.
وقال المالكيون: من شك أطلق امرأته أم لم يطلقها فلا شئ عليه، فأصابوا، ثم قالوا: فإن أيقن أنه طلقها ثم شك أو واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، فهي طالق ثلاثا.
وقالوا: من شك أطلق امرأة من نسائه أم لا فلا شئ عليه، فإن أيقن أنه طلق إحداهن، ثم لم يدر أيتهن هي فهن كلهن طلق، ففرقوا بين ما لا فرق بينه بدعوى عارية عن البرهان. فإن قالوا: إن ههنا هو على يقين من الطلاق، فقلنا: نعم، وعلى شك من الزيادة على طلاقها واحدة، والشك باطل كسائر ما قدمنا قبل، وكذلك ليس من نسائه امرأة يوقن أنه طلقها، فقد دخلتم فما أنكرناه على المخالفين من نقل الحكم بالظنون، بل وقعوا في الباطل المتيقن، وتحريم يقين الحلال من باقي نسائه اللواتي لم يطلقهن بلا شك، وفي تحليل الحرام المتيقن، إذ أباحوا الفروج اللواتي لم تطلق للناس، ولزمهم على هذا إذا وجدوا رجالا قد اختلط بينهم قاتل لا يعرفونه بعينه، أو زان محصن لا يعرفونه بعينه، أن يقتلوهم كلهم نعم وأن يحملوا السيف على أهل مدينة أيقنوا أن فيها قاتل عمد لا يعرفونه بعينه، وأن يقطعوا أيدي جميع أهلها إذا أيقنوا أن فيها سارقا لا يعرفونه بعينه، وأن يحرموا كل طعام بلد قد أيقنوا أن فيه طعاما حراما لا يعرفونه بعينه، وأن يرجموا كل محصنة ومحصن في الدنيا، لان فيهم من قد زنى بلا شك، ولزمهم فيمن تصدق بشئ من ماله، ثم جهل مقداره أن يتصدق بماله كله ومثل هذا كثير جدا فظهر فساد هذا القول وبطلانه بيقين لا شك فيه.
فإن قيل: وما الدليل على تمادي الحكم مع تبدل الأزمان والأمكنة؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق: البرهان على ذلك صحة النقل من كل كافر ومؤمن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا بهذا الدين. وذكر أنه آخر الأنبياء وخاتم الرسل، وأن دينه هذا لازم لكل حي، ولكل من يولد إلى القيامة في جميع
(٥٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « 589 590 591 592 593 594 595 596 597 598 599 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722