المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٥٤٢
الباقون يفقهون من فقه والضمير في * (قالوا) * للقوم الذين من دون السدين و * (يأجوج ومأجوج) * قبيلتان من بني آدم لكنهم ينقسمون أنواعا كثيرة اختلف الناس في عددها فاختصرت ذكره لعدم الصحة وفي خلقهم تشويه منهم المفرط الطول ومنهم مفرط القصر على قدر الشبر وأقل وأكثر ومنهم صنف عظام الآذان الأذن الواحدة وبرة والأخرى زعرى يصيف بالواحدة ويشتو في الأخرى وهي تعمه واختلفت القراءة فقرأ عاصم وحده يأجوج ومأجوج بالهمز وقرأ الباقون يأجوج ومأجوج بغير همز فأما من همز فاختلف فقالت فرقة هو أعجمي علتاه في منع الصرف العجمة والتأنيث وقالت فرقة هو معرب من أحج وأج علتاه في منع الصرف التعريف والتأنيث وأما من لم يهمز فإما أن يراهما اسمين أعجميين وإما أن يسهل من الهمز وقرأ رؤبة بن العجاج آجوج ومأجوج بهمزة بدل الياء واختلف الناس في إفسادهم الذي وصفوهم به فقال سعيد بن عبد العزيز إفسادهم أكل بني آدم وقالت فرقة إفسادهم إنما عندهم توقعا أي سيفسدون فطلبوا وجه التحرز منهم وقالت فرقة إفسادهم هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر وهذا أظهر الأقوال لأن الطائفة الشاكية إنما تشكت من ضرر قد نالها وقولهم * (فهل نجعل لك خرجا) * استفهام على جهة حسن الأدب والخرج المجبي وهو الخراج وقال قوم الخرج المال يخرج مرة والخراج المجبي المتكرر فعرضوا عليه ان يجمعوا له أموالا يقيم بها أمر السد قال ابن عباس * (خرجا) * أجرا وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم خرجا وقرأ حمزة والكسائي خراجا وهي قراءة طلحة بن مصرف والأعمش والحسن بخلاف عنه وروي في أمر * (يأجوج ومأجوج) * أن أرزاقهم هي من التنين يمطرونها ونحو هذا مما لم يصح وروي أيضا أن الذكر منهم لا يموت حتى يولد له ألف والأنثى لا تموت حتى تخرج من بطنها ألف فهم لذلك إذا بلغوا العدد ماتوا ويروى أنهم يتناكحون في الطرق كالبهائم وأخبارهم تضيق بها الصحف فاختصرتها لضعف صحتها وقوله * (قال ما مكني) * الآية المعنى قال لهم ذو القرنين ما بسطه الله لي من القدرة والملك خير من خرجكم وأموالكم ولكن أعينوني بقوة الأبدان وبعمل منكم بالأيدي وقرأ ابن كثير ما مكنني بنونين وقرأ الباقون ما مكني بإدغام النون الأولى في الثانية وهذا من تأييد الله تعالى لذي القرنين فإنه تهدا في هذه المحاورة إلى الأنفع الأنزه فإن القوم لو جمعوا له خرجا لم يمنعه منهم أحد ولوكلوه إلى البنيان ومعونتهم بالقوة أجمل به وأمر يطاول مدة العمل وربما أربى على المخرج والردم أبلغ من السد إذ السد كل ما سد به والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض ومنه قول الشاعر (هل غادر الشعراء من متردم *) الكامل أي من قول يركب بعضه على بعض.
قوله عز وجل
(٥٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 535 536 537 538 539 540 541 542 543 544 545 » »»