تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٦٢
إليه تعالى فان العبد لا يملك من نفسه شيئا الا بالله والله سبحانه هو المالك لما ملكه إياه فاخلاصه دينه وان شئت فقل اخلاصه نفسه لله هو اخلاصه تعالى إياه لنفسه.
نعم ههنا شئ وهو ان الله سبحانه خلق بعض عباده هؤلاء على استقامة الفطرة واعتدال الخلقة فنشأوا من بادئ الامر بأذهان وقادة وادراكات صحيحة ونفوس طاهرة وقلوب سليمة فنالوا بمجرد صفاء الفطرة وسلامة النفس من نعمة الاخلاص ما ناله غيرهم بالاجتهاد والكسب بل اعلى وأرقى لطهارة داخلهم من التلوث بألواث الموانع والمزاحمات والظاهر أن هؤلاء هم المخلصون بالفتح لله في عرف القرآن.
وهؤلاء هم الأنبياء والأئمة وقد نص القرآن بأن الله اجتباهم أي جمعهم لنفسه وأخلصهم لحضرته قال تعالى: " واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم " الانعام: 87 وقال: " هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج " الحج: 78.
وآتاهم الله سبحانه من العلم ما هو ملكة تعصمهم من اقتراف الذنوب وارتكاب المعاصي وتمتنع معه صدور شئ منها عنهم صغيرة أو كبيرة وبهذا يمتاز العصمة من العدالة فإنهما معا تمنعان من صدور المعصية لكن العصمة يمتنع معها الصدور بخلاف العدالة.
وقد تقدم آنفا ان من خاصة هؤلاء القوم انهم يعلمون من ربهم ما لا يعلمه غيرهم والله سبحانه يصدق ذلك بقوله: " سبحان الله عما يصفون الا عباد الله المخلصين " الصافات 160 وان المحبة الإلهية تبعثهم على أن لا يريدوا الا ما يريده الله وينصرفوا عن المعاصي والله سبحانه يقرر ذلك بما حكاه عن إبليس في غير مورد من كلامه كقوله: " قال فبعزتك لا غوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين " ص 83.
ومن الدليل على أن العصمة من قبيل العلم قوله تعالى خطابا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: " ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم ان يضلوك وما يضلون الا أنفسهم وما يضرونك من شئ وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما " النساء: 113 وقد فصلنا الكلام في معنى الآية في تفسير سورة النساء.
وقوله تعالى حكاية عن يوسف (ع): " قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه والا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن واكن من الجاهلين " يوسف: 33 وقد أوضحنا وجه دلالة الآية على ذلك.
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»
الفهرست